هل سبق أن لاحظت أن الأشخاص الذين تفضل أن تقضي أوقاتك معهم لديهم سمات متشابهة؟
قد لايكون هذا من باب الصدفة، أو من باب من جالس قومًا أربعين يوما صار منهم.
قد يكون تفسير هذه الظاهرة في حياتك هو “نظرية التعلق النفسية.”
لقد وجدت الأبحاث أن هناك نمط يتكرر في كيفية تواصلنا وإرتباطنا بالآخرين. بمعنى أننا نرتبط بنفس النوع من الأشخاص لأن طريقتنا في البحث عنهم في العادة تكون واحدة.
نتبنى نمط معين في إختياراتنا!
وعادة ما تتم عملية بناء وتبني هذا النمط من مراحل الطفولة المبكرة، وبالتحديد من خلال علاقتنا بوالدينا.
أن معظم أبحاث هذه النظرية بُنيت على ملاحظة الأطفال الصغار والرضع. في ستينيات القرن الماضي، قام Bowlby and Ainsworth بوضع الأطفال ووالديهم في مايسمى باختبار “الموقف الغريبة.”
تجربة الموقف الغريب
تخيل معي بأنك طفل وُضِعت في غرفة كبيرة نوعًا ما.
أمك معك ولكنها لا تشاركك في عملية إستكشافك المكان الجديد.
ثم يدخل شخص غريب، ويتحدث الى أمك.
بعد ذلك يقترب اليك.
وبينما هو يتوجه نحوك تكون والدتك قد قادرت الغرفة بهدوء.
كيف ستكون ردّة فعلك هنا؟
وأخيرًا تعود والدتك…
من خلال هذا السيناريو يقوم الباحثون بملاحظة هذه السلوكيات والإجابة علىهذه التساؤلات:
- كيف يستكشف الطفل الغرفة و كيف يلعب بالألعاب الجديدة طوال التجربة؟
- ماذا يفعل الطفل عندما تختفي أمه؟
- كيف يتفاعل الطفل عندما يكون وحيدا مع شخص غريب؟
- ماذا يفعل الطفل عندما تعود والدته؟
بناءً على كيفية تفاعل الأطفال في هذه التجربة، تم تصنيفهم الى ٤ أنماط من التعلق بوالديهم.
ويعتقد الباحثون بأنك تحافظ على نفس النط طوال حياتك، وعلى أساسها تبنى إختياراتك للعائلة والأصدقاء والشركاء ايضًا.
دعنا نأخذ لمحة بسيطة عن هذه الأنماط
-
النمط المطمئن أو “الآمن”
عندما يتبنى الطفل هذا النوع من أنماط التعلق فإنه سيشعر بالهدوء والأمان بسهولة وبسرعة عندما يكون مع والديه أو أحدهما.
في الغالب سيلجأ الطفل بشكل مباشر الى والديه عندما يشعر بالضيق.
يبنى هذا النوع من التعلق عندما يشعر الطفل بأن بإمكانه الإعتماد على والديه في اي وقت. هويعلم بأنهم هناك من اجله و سيقومون بتهدئته وتقديم الرعاية الكاملة له.
باختصار والديه هما الدرع الآمن الذي يدفعه لإستكشاف كل ما يحيط به من دون خوف.
الأشخاص البالغين من هذا النمط -بشكل عام- لديهم نظرة إيجابية للحياة، ويسعون إلى الحميمية الجسدية و / أو العاطفية مع الحد الأدنى من الإحساس بالخوف من الرفض أو الإذى في العلاقات.
-
النمط الغير مطمئن- المبتعد
على عكس النوع الأول فالطفل لا يشعر بأن بإمكانه الإعتماد على ابويه.
ويبني هذا النوع في الغالب عندما يكون هناك غياب كبير لأحد الوالدين او كلاهما عند وجود حاجة للطفل. أو قد يكون هناك رفض تام لتلبية إحتياجات الطفل.
في حالة التوتر والضيق لا يبدو هناك أي بادرة من الطفل للجوء الى والديه، وفي الواقع لايبدو ان هناك تفضيل لدى الطفل بين والديه وبين أي شخص يقدم له رعاية.
كبالغين، أصحاب هذا النمط قد لايشعورن بالراحة من الإنفتاح العاطفي، وقد ينكرون لأنفسهم حاجتهم للعلاقات الحميمة.
إنهم يولون أهمية كبيرة للاستقلال، و قد يطورون آليات دفاع عن أنفسهم من أي تهديد محتمل ضد “إستقلالهم”….. قد تكون إحدى هذه الآليات هي عدم الإفصاح بالمشاعر على الرغم من أن سلوكياتهم تشير إلى أنهم مهتمين بالجانب العاطفي!
-
النمط الغير مطمئن- متردد
الطفل من هذا النوع سيكون ملتصق بوالديه وبحاجة لهما، ولكن عندما يأتي أحدهما لمساعدته فإن الطفل على مايبدو يرفض المساعدة، ويكون صعب الإرضاء والتهدئة!
كشخص بالغ، قد يشعر بصعوبة في إقامة علاقة وثيقة مع الآخرين على الرغم من إدراكه لأهمية هذه العلاقات، و رغبته الشديدة في تكوين واحدة. لكن يجد نفسه يتجنب الإنفتاح العاطفي مع الآخرين خوفًا من الرفض أو الأذى.
-
النمط الغير منظم- المشوش
أما الطفل من هذا النمط قد يظهر سلوكيات غير مفهومة فيما يخص سلوك التعلق.
الباحثون يعتقدون بأن سبب تبني هذا النمط هو عدم إتساق الصورة المكونة لأحد الوالدين اوكلاهما لدى الطفل.
بمعنى أن مقدم الرعاية(سواء الام او الاب) قد يكون مصدر للأمان وفي نفس الوقت يكون مصدر للرعب، وهذا يتسبب بحدوث تشويش في نفس الطفل. وبالنيجة لايعرف الطفل ما يمكن توقعه.
كشخص بالغ، يبدي رغبة قويه في الدخول في علاقات، وغالبًا ماتصل الى درجة “التعلق الشديد/الإلتصاق بالشرك”.
تزداد لى الشخص من هذا النمط مشاعر التوتر والقلق مع أي تغيرات تحدث في العلاقة، مهما كانت هذه التغيرات دقيقة.
يحتاج الفرد من هذا النمط الكثير من الموافقة والطمأنه من قبل شريكه.
ماذا تعني لنا هذه الأنماط ونحن بالغين؟
لقد ربطت العديد من الأبحاث هذه الأنماط ببعض الإضطرابات النفسية التي تصيب البالغين كاضطراب ما بعد الصدمة، والاكتئاب ،وضعف الثقة بالنفس، وحتى العلاقات الزوجية والاجتماعية…. و…وو.
نحن هنا لا نلقي اللوم على الوالدين على الرغم من أن الآباء يلعبون دورًا مهمًا في وضع هذا الأساس ، إلا أنك كشخص بالغ لديك القدرة على إحداث تغييرات لنفسك وسلوكياتك في أي علاقة.
نك لست محكومًا بالنمط الذي تتربى عليه!
إن الوعي والمعرفة هي أول خطوات التغيير.
يمكن أن يساعدك هذا الوعي في المضي قدمًا نحو تطوير علاقة أكثر أمانًا مع من حولك.
جميعًا نسعى لأن نصل الى نمط آمن ومطمئن.
كن صادقًا مع نفسك أولا، واتخذ من علاقاتك قاعدة وحاول أن تسمو بها ما استطعت!
ما هو النمط الذي تنتمي إليه؟
أكتب لنا تعليقٍا في أسفل الصفحة.
رأي واحد حول “من أي أنماط “التعلق العاطفي” تنتمي أنت؟”