هل لاحظت مشاعرك الثانوية؟

إذا كنت تقود سيارتك في طريق مزدحم وفجأة تجاوزك (قطع) أحد بدون استئذان، فمن المحتمل أن تشعر بالغضب.

في هذه الحالة يكون هذا الشعور بالغضب هي مشاعرك الأولية، لأنه حدث كنتيجة مباشرة للحدث (قطع في حركة المرور).

أو…إذا بدأت في تذكر فقدان شخص عزيز عليك، فإن المشاعر الأساسية التي قد تشعر بها هي الحزن.

من ناحية أخرى، في هذه المواقف قد تكون لدينا مشاعر اخرى ثانوية، وهي المشاعر التي تكون رد فعل أو كنتيجة لمشاعرنا الأولية!

دعنا عزيزي القاريء نعود بك إلى المثال السابق.

شخص منعك من المرور! تشعر أولاً بمشاعر الغضب الأساسية. ومع ذلك، لنفترض أنك نشأت على الاعتقاد بأنه ليس من المقبول أن تغضب، أو أنك تخشى أنه عندما تشعر بالغضب، ستفقد السيطرة وتفعل شيئًا متهورًا.

إذا كانت هذه هي الطريقة التي تقيّم بها مشاعرك الأساسية (الغضب)، فمن المحتمل أن تشعر بالخجل أو العار أو حتى القلق كمشاعر ثانوية.

قد لا تُقدم لك هذه المشاعر الثانوية معلومات مهمة كثيرًا

ولكن المشكلة هنا في كونها تميل إلى البقاء لفترة طويلة.

كما أنها قد تعمل كوسيلة دفاعية لا واعية تحجب عنك مشاعرك الأولية، ومن ثم تمنعك من التصرف بطرق صحيّة بناءً على ماشعرت به أولاً، أو حتى تصحح فهمك للموقف.

المشاعر الأولية هي استجابات غريزية بدائية وعالمية الى حد ما. 

بمعنى أن جميع البشر بما فيهم الأطفال قادرين على الإحساس بها.

وهي من باب الذكر لا الحصر: الخوف والسعادة والحزن والغضب والاستياء.

أما المشاعر الثانوية فهي  معقّدة أكثر، و في الغالب متعلّمة من مُقدمي الرعاية (الوالدين)، وتتأثر بالبيئة المحيطة والثقافة المحلية. 

غالبًا ما تكون المشاعر الثانوية ناتجة عن معتقداتنا حول تجربة مشاعر معينة.

قد يعتقد بعض الناس أن القلق أو الاكتئاب علامة على ضعف الشخصية أو حتى قلّة الإيمان بالله، لذلك عندما يتم اختبار هذه المشاعر، تظهر هذه الأفكار، والتي تثير مشاعر ثانوية كالعار.

أو كمثال آخر، 

شخص تعرض لإعتداء جنسي.

الغضب هنا قد يكون رد الفعل الطبيعي للموقف، ولكننا نرى أغلب هذه الحالات تُصاب بما يسمى ب “تخدّر المشاعر” أي بمعنى أن الشخص يشعر ب ل”ا شيء” ولا يسمح لنفسه بالشعور أصلاً، لأن المجتمع غالبًا سينظر له بنظرة اللّوم أو العار وبالتالي هذه المشاعر الثانوية قد تُبقي هذا الشخص حبيس سنوات من الألم النفسي.

قد تتساءل: ما الفائدة من معرفة أن هناك نوعين من المشاعر؟ 

تخبرنا المشاعر الأولية والثانوية الكثير عن استقرارنا العاطفي.

وهي مفيدة جدًا للجلسات النفسية؛ فعند قدرتك على إخبار المعالج بالمشاعر الصحيحة سيسهل عليه التشخيص حينها ، وبالتالي وضع خطة علاجية فعّالة. لأنه تمكن من معرفة مصدر الشعور ومن أين أتى السلوك.

الكثير من الندوب العاطفية اختبرناها وتركت أثرًا نفسيًا لسنوات لأننا فقط لم نعي مشاعرنا الأولية!

إن العثور على السبب الحقيقي وراء ردود الفعل (فحص المشاعر الأساسية) مهمة في فهم كيفية معالجتنا المعرفية للمعلومات.

أيضًا، من خلال إبطاء عملية التفكير والعمل بوعي في تحليل الأسباب الداخلية التي تجعل شخصًا ما يشعر بطريقة معينة نحن نزيد من نسبة فهمنا لأنفسنا أكثر.

كيف يمكن أن تساعد الجلسات النفسية؟

ببساطة في العلاج النفسي، يتعلم العميل قيمة المشاعر الحقيقية، وأن ليس هناك مايسمى بمشاعر سيئة أو جيدة، حتى تلك التي قد تجعلنا نشعر بعدم الراحة، مثل الغضب أو الحزن.

فأنت بإمكانك كإنسان التعايش مع الشعور من دون إصدار أحكام.

علاوة على ذلك، يمكن للمعالج أن يشير إلى العواقب السلبية التي تنشأ عندما يحاول الناس كبت العواطف بعيدًا، مثل اللجوء إلى المخدرات أو الكحول أو إدمان الطعام أو النوم المفرط للتداوي الذاتي.

كلمة أخيرة!

في مجتمع لطالما بالغ في إعطاء قيم لشخصيات تغلبت على العواصف دون عقبات، من السهل نسيان حقيقة كونك مجرد إنسان! و لطالما كانت هذه المشاعر (الخوف والغضب والحزن)  جزءًا من التجربة الإنسانية وستظل دائمًا.

اترك رد