أطفالنا ومابعد عزلة (كوفيد-١٩)

في بداية الحرب العالمية الثانية ، تم إجلاء ملايين الأطفال من لندن ومدن أخرى وأُرسلوا للعيش مع العوائل التي تبنتهم في الريف الإنجليزي.

ما حدث لهؤلاء الأطفال كان موضوع دراسة للمحللة النفسية آنا فرويد (ابنة عالم النفس الشهير سيجموند فرويد)، حيث قامت بتأليف كتاب “الحرب والأطفال” عام 1943، وملخص بحثها أشار بأن الأطفال الذين بقوا مع أسرهم خلال القصف “كانوا أقل انزعاجًا نفسيًا” من أولئك الذين تم ترحيلهم.

وفي نفس الحقبة الزمنية، قام العالم النفسي جون بولبي بدراسة الأطفال الذين أمضوا فترات طويلة في المستشفيات بعيدًا عن عوائلهم.

إن نتائج ملاحظاته أبرزت تأثير “نظريات التعلق النفسي” التي تؤكد على أهمية العلاقة بين الأطفال وأسرهم ، والآثار الناتجة عن عزلتهم. 

هذه الدراسات كانت جزء من مجموعة كبيرة من الأبحاث التي تناولت ما يحدث عندما يتم فصل الطفل عن أبويه. 

ولكن، ماذا عن وضعنا الآن؟

حيث أن الحجر الصحي لمرض (كوفيد-١٩) عزل الأطفال عن أقرانهم وعن كل شخص آخر في حياتهم!

ماهو تأثير مايحدث على الحالة النفسية لأطفالنا؟

الإجابة هي…

لا نعلم حتى الآن!

لعدم وجود أسبقية لحدث كهذا في الماضي.

ولسنا على علم بالآثار النفسية للعزلة الإجتماعية على الأطفال وبالخصوص على المدى الطويل. 

لكن بشكل عام،

تأثير العزلة الإجتماعية لبضعة أشهر هو تأثير ضئيل جدًا.

أما عندما تطول الفترة فقد تثار بعض التساؤلات حول نوع الخطر الذي قد يشكله هذا الحدث العالمي على الأطفال بحسب الفئة العمرية. 

وفقًا لتقرير حديث نشرته الأمم المتحدة بخصوص تأثير (كوفيد-١٩) على الأطفال:

“على الرغم من أن عدد الأطفال المتضررين منخفض نسبيًا ، إلا أن التأثيرات الغير مباشرة للوباء قد تكون كارثيًه بالنسبة لهم. قد يعاني الآلاف من الأطفال نتيجة للفيروس الذي يصيب جميع أبعاد حياتهم ، بما في ذلك صحتهم البدنية والعقلية ، وكذلك وضعهم التنموي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي.”

في حين أن بعض الأطفال قد لا يكونوا بمستوى الوعي الكافي لفهم خطورة الموقف بالكامل ، ولكن معظمهم سيقبلون الوضع الحالي باعتباره “وضعهم الطبيعي الجديد” حتى وإن إمتد لأشهر.

ومع ذلك خذ هذه الملاحظات والمؤشرات الشائعة عند حدوث اضطراب عاطفي لكل فئة عمرية:

مرحلة ما قبل المدرسة

غالبًا ما تكون هذه المرحلة هي حجر الأساس للتنمية الاجتماعية ، خاصة أنها الفرصة الأولى للأطفال لتعلم كيفية التفاعل مع أقرانهم. وبدون فرصة لبناء هذا الأساس قد يكون هناك صعوبة في تطوير المهارات الاجتماعية مثل تفاعلات الأقران ، وحل المشكلات ، والتوقعات السلوكية ، وردات الفعل على المدى الطويل.

كُن على وعي بهذه المؤشرات: 

  • إرتفاع نسبة المخاوف بشكل عام وقلق الانفصال بشكل خاص
  • أكثر يقظة/ حركة وتشتت من قبل
  • تشوش معرفي
  • صعوبة في التعبير وقلّة في الكلام
  • صعوبة في تحديد المشاعر
  • اضطرابات النوم والكوابيس
  • الأعراض الجسدية (مثل آلام المعدة والصداع)
  • التبول اللارادي 

مرحلة المدرسة 

إن الأطفال في المراحل الإبتدائية يصبحون أكثر إستقلالية، وأكثر فهم للعلاقة بين الأفعال والعواقب. 

عندما لا يتوفر خيار المدرسة أو جماعات الرفاق، قد تلاحظ إنغماس الأطفال في الأجهزه الإلكترونية كتعويض لاختلال الروتين. لذلك لا ينبغى للآباء التنازل عن الجدول الزمني المحدد لوقت الشاشة وتوفير الأنشطة المختلفة للمساعدة في ملء أوقات الفراغ. 

 كُن على وعي بهذه المؤشرات:

  • اضطرابات النوم والكوابيس
  • مخاوف تتعلق بالسلامة والانشغال بالتفكير في الخطر
  • السلوك العدواني ونوبات الغضب
  • الخوف من الشعور أو حتى التعبير عن المشاعر
  • اهتمام وثيق بمخاوف الوالدين
  • تجنب الأنشطة المتعلقة بالمدرسة
  • تغييرات في السلوك والمزاج والشخصية
  • الأعراض الجسدية (شكاوى من آلام جسدية)
  • الانسحاب والهدوء
  • فقدان الاهتمام بالأنشطة المحببة.
  • الانغماس في اللعب وتجنب المناقشات العائلية.

ما قبل المراهقة والمراهقة 

إن الفئة التي تواجه التحدي الأكبر مع العزلة الاجتماعية هي هذه الفئة. على الرغم من نموهم العقلي ومعرفتهم بعواقب الأفعال و العقلانيه وراء مسألة العزلة الإجتماعية الاّ أن دماغ المراهق لا يزال في طور النمو وهو بحاجة للمزيد من التفاعلات الإجتماعية حتى يصل الى النضج المطلوب. 

إن الأحداث الإجتماعية وحفلات التخرج والرياضات الجماعية والكافيهات هي الأماكن التي يعكس فيها المراهق إحساسه بالذات والهوية الشخصية. 

وفي غياب هذه الدوافع الخارجية قد يعاني الأشخاص من هذه الفئة من مشاعر القلق والإكتئاب والتي قد تستمر على المدى الطويل. 

أطفال ذوي الاحتياجات الخاصة 

إن عمليات إغلاق المؤسسات التعليمية تعني عدم تمكن هذه الفئة من الوصول إلى الموارد المدرسية الخاصة. ناهيك عن اختلال الروتين اليومي والذي قد يتسبب في زيادة الضغوط العقلية وبالتالي زيادة الإجهاد والتوتر بين أفراد الأسرة.

أما بالنسبة لأولئك الذين يعانون بالفعل من مشاكل في الصحة النفسية/ العقلية

فقد أشارت بعض الدراسات -للأسف- أنه خلال هذه الفترة الحرجة لوحظ إرتفاع في مستوى الأعراض لأكثر من المعدل الطبيعي.

  • في عام 2013 ، وجد الباحثون أن الأطفال الذين تم عزلهم بسبب إصابتهم ببعض الأمراض العضوية التي تتطلب العزل سجلوا درجات أعلى بأربع مرات في اختبار قلق ما بعد الصدمة النفسية مقارنة بأولئك الذين لم يتم عزلهم. 
  • ايضًا وجد بأن الحد من الأنشطة الخارجية والتفاعل الاجتماعي كان مرتبطًا بزيادة أعراض الاكتئاب لدى الأطفال. دراسة حديثة خلال تفشي COVID-19 زادت أعراض القلق والاكتئاب لدى الأطفال في الصين أكثر من المعدل الطبيعي.
  • اخيرًا تشير التقديرات إلى أن 220 مليون طفل صيني معرضون لخطر مواجهة مشكلات الصحة العقلية بسبب طول الاحتواء في المنزل.

وماذا الآن؟

بغض النظر عن مدى تأثير الحجر الصحي على أطفالنا،

نحن نعلم بأن هذه التجربة ستنتهي وستكون لحظات حاسمة في حياتهم،

 ليس فقط بسبب ما حدث (سواء للطفل أو للآخرين)، 

ولكن أيضًا بسبب الدروس التي يتعلمونها خلال هذه الفترة

سيتحدث الأطفال عما حدث وكيف تمكنوا من إدارة الوقت

والتغيرات التي حدثت نتيجة لهذا الوباء لفترة طويلة 

نحن نريد من أطفالنا العيش بواقعية أكثر

ومعرفة أن الحياة عبارة عن تحديات تختلف في الدرجة ولكنها

 “دائمة الوجود”

 والأهم من كل هذا 

هو أن باستطاعتنا التركيز على ما نستطيع التحكم به 

والحفاظ على الأمل والإيمان.

إليك عزيزي المربي بعض النصائح:

  • تحدث مع طفلك حول أكثر الأشياء التي يفتقدها خلال هذه المدة. فكر معه ببعض الحلول البديلة أو حلول لجعل الإتصال بهذه الأشياء ممكنه. 
  • إذا وجدت بأن طفلك يستفيد جسديًا وعاطفيًا واجتماعيًا من أوقات الفراغ فلا ترهقه بالإكثار من الواجبات والجداول الصارمة. أعطه مزيد من الحرية ومزيد من الصلاحيات في التحكم في كيفية تقضية الوقت. 
  • ابحث عن مصادر جديدة للدعم – إما من خلال الاستشارة الصحية عن بُعد أو الإكثار من المكالمات الهاتفية مع الأصدقاء والعائلة.
  • حاول ألا تشاهد الأخبار أمام طفلك ، وقلل من المحادثات المتعلقة بالأوبئة أمامه. ولكن، كن صادقًا معه في حال سؤاله عن الأوضاع الخارجية.
  • شجع طفلك على التركيز في الحاضر وما هو حقيقي ، في مقابل الانغماس في المخاوف والأفكار السلبية.
  • ناقش واكتب معه خمسة أشياء يشعر بالامتنان لوجودها كل يوم.

كانت المرحلة الأولى من COVID-19 مملوءه بالقلق ، وربما الحزن والخسارة! 

يوما ما سيصبح هذا الوقت مجرد ذكريات. 

إنها فرصتك الآن لتخبر طفلك ” نحن في هذا معا.'”

 
 
يمكنك قراءة المقال الذي كتبته في كيفية مناقشة طفلك عن الأحداث الصادمة هنا.

7 رأي حول “أطفالنا ومابعد عزلة (كوفيد-١٩)”

  1. ماشاء الله تبارك الله مقال اكثر من رائع ، بارك الله جهودكم ونفع بكم المجتمع

    رد

اترك رد