ماذا يعني أن تكون في حالة الصدمة النفسية؟

أولاً هي ليست شيء يمكن تشخيصه! 

هذه الحالة ليست مجموعة من الأعراض النفسية التي لابد أن تختبرها لتُعطى لقب مقبول في كتب الصحة النفسية.

أن تكون في حالة الصدمة النفسية ببساطة تعني:

أنك قد تعرضت لحدث مزعج ومؤلم نفسيًا لدرجة أنك لا تستطيع معالجته وتخطيه، وقد تجد هذا الحدث يزعجك لاحقًا في الحياة وبشكل متكرر. 

قد يتحول هذا الشعور لا حقًا الى اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) ولكن ليس دائمًا.

وحتى لو كانت لديك حالة إرتجاع للذكريات بشكل لا إرادي بحيث تعود بك هذا الذكريات الى يوم الصدمة، وقد تشعر بألمها نفسيًا وجسديًا فهذا لا يعني أنك مصاب باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).

ما الذي يتسبب في حدوث الصدمة النفسية؟

لا توجد هنا إجابة محددة !

إن أي حدث لا نكون قادرين على معالجته نفسيًا قد يتسبب في دخولنا في حالة الصدمة.

 وليس هناك مقياس ثابت لمستوى قدرة تحمل الشخص، فالقدرة هنا تختلف من شخص لآخر.  

أتذكر استنكار أحد عملائي المصابين باضطراب مابعد الصدمة نتيجة لعنف نفسي وجسدي تعرض له هو وإخوته في مرحلة الطفولة. كان يقول:

أن أخاه الأصغر لم يتحمل الألم الناتج عن ذكريات الطفولة الصادمة وللأسف أقدم على الإنتحار في عمر الشباب! أما هو فقد كان يعاني طوال حياته من هذا الاضطراب مما أدى الى اعتزاله العالم والحياة الاجتماعية (حاليًا هو بعمر الأربعين). وما أثار استغرابه هو أن أختهم الأخرى لا يبدو عليها أي أثر من الصدمة، وأن حياتها تسير على أكمل وجه.

إذًا! ماالذي يجعل إستجاباتنا وقدرة تحملنا مختلفة حتى ولو كنا مجموعة إخوه تعرضوا لحادث سيارة واحد مثلا!

هناك العديد من العوامل الشخصية أو الإجتماعية. قم بالإطلاع على المقال الذي تحدثت فيه… 

هل سوف أعاني من الصدمة النفسية الى الأبد؟!

الإجابة هي لا ولكن بشرط..!

لابد وأن تقوم بالرجوع الى الوراء، بالتحديد الى الوقت الذي حدثت فيه الصدمه.وإعطاء نفسك وعقلك الوقت الكافي لمعالجة الأحداث.

للأسف لا توجد طريقة سحرية لمسح الذكريات الغير مرغوبه!

حتى وإن شعرت بأن هناك أحداث في حياتك لا تتذكرها، أو أن عقلك بطريقة ما …أو كوسيلة دفاع لاواعية … يقوم بجعلك تنسى بعض الأحداث المؤلمة، فهذا لايعني أنها اختفت تمامًا!

ربما تظهر لك آثار الصدمة في شكل:

  •  كوابيس مزعجة،
  • أو الشعور المفاجئ بالذعر،
  • أو رغبة مفاجئة بالبكاء
  • أو غيرها من الأعراض النفسية التي لاتبدو بأنها مرتبطة بشيء واضح بالنسبة لك. 

ماذا نعني بمعالجة الذكريات الصادمة؟

كلمة المعالجة بحد ذاتها عبارة عن سلسلة من الإجراءات أو الخطوات المتخذة من أجل تحقيق غاية معينه.

هل سمعت بمعالجة الحليب؟!

الحليب دائمًا يمر بمراحل معالجة. ومن خلال هذه المعالجة نستطيع تغيير في شكل الحليب (السائل) الي أشكال ومنتجات آخرى كالزبدة على سبيل المثال! المعالجة هنا مرّت بمراحل وأدّت الى تغييرات في الصورة الأصلية للمنتج.  

تمام كما نقصد بال “المعالجة” في العلاج النفسي!

نحن نقوم بتعديل الكثير من تصوراتنا للأحداث السابقة في الحياة من خلال عرضها و سردها بشكل قصصي. كما يفعل الأطفال. 

هل إستمعت يومًا لطفل يقوم بسرد ماقام به خلال العطلة الصيفية باستخدام لغته البسيطة وتصواته للأحداث؟  

أن هذه العملية الطبيعية التي نقوم بها كأطفال هي التي تجعل ذكريات الطفولة لدينا منظّمة ولها طابع خاص! فأنت كطفل تقوم بتخزين جميع المعلومات سواء المجردة والغير مجردة (الحسية: الحواس الخمس) في الذاكرة بصورة سلسة ومنظمة.  

هذا توضيح بسيط لمعنى كلمة “معالجة الأمور” في العلاج النفسي!

وواحدة من فوائد هذه الطريقة:

  • هو أن تمنحك الفرصة لبناء قصة حياتك بالشكل الذي تدركه أنت عن نفسك. 
  • بالإضافة إلى أنها تسهل إعادة ترميز المعلومات وإسترجاعها متى ماأردت.

ولكن…

عندما تكون الذكريات مؤلمه بشكل يصعب تذكرها. نرى بأن ذكرياتنا عن تلك الأوقات ليس لها معنى واضح!

والسبب هو أنه…

في حالة الصدمة، العقل يقوم بترميز وتخزين ذكريات الحدث الصادمة بطريقة عشوائية. تخيل معي أن عقلك قام بكتابة الحدث بكل تفاصيله في ورقة بيضاء، وبدلاً من أن يقوم بتخزينها في الملف المناسب لها، قام بوضعها في آلة تمزيق الورق!…. وليس هذا فقط بل أن عقلك أخذ هذه القصاصات الصغيرة، وقام برميها في جميع أرجاء الذاكرة بشكل فوضوي. سوف ترى بأن هنالك قصاصات صغيره متناثرة فوق ملفاتك القديمة المخزنه والمنظمة! 

وهذا مايفسر عملية إسترجاع الذكريات الصادمة بشكل مفاجيء!

مثلا قد تمشي في أحد الايام العادية وتشم رائحة معينة، لنقل مثلاً رائحة بنزين! وإذا بشعور غريب مزعج ينتابك، وألم يصيبك بجسدك… أو حتى تصاب بنوبة ذعر.

على مايبدو لا يوجد سبب واضح لهذا الشعور!

ولكن في حقيقة الأمر قد يكون عقلك قام بترميز خاطيء في السابق عندما تعرضت لحادث تحطم مركبتك، ودخلت حينها في حالة من الذعر. 

العقل هنا قام بربط عشوائي بين رائحة البنزين وحالة الذعر! 

وكما ذكرنا سابقًا في إحدى المقالات، إن إحدى أولويات العقل في حالة الخطر هو إيجاد مكان آمن لك حتى تستعيد فيها توازنك النفسي.

أما عن ترميز المعلومة وحفظها فليست من إهتمامات العقل في حالة الصدمة؛ وبالتالي تتم العملية بشكل عشوائي.

 

لهذا السبب إن للعلاج النفسي أهمية كبيرة في حالة التعرض  لصدمة نفسية!

 أنت بحاجة لأن تعطي نفسك الوقت الكافي لإعادة ترتيب بعض القصص الغير مفهومة والتي لا تعبر عن حقيقة ذاتك.

أنا أعلم بأن الرجوع الى الذكريات الأليمة أمر صعب ومرهق للغاية، ولكن أعدك بأن النتائج دائما ماتكون ايجابية. 

فقط تأكد من العثور على المعالج المناسب وطريقة العلاج الصحيحة حتى تحصل على الفائدة المرجوة. 

مارأيك؟ شاركنا في التعليقات. 

 

5/5

اترك رد