هل يمكنك تذكر أي شيء قبل سن الثالثة؟
لا يستطيع معظم البالغين تذكّر الكثير ،أو ربما أي شيء ، قبل سن الثالثة.
هذا ما أسماه عالم النفس سيجموند فرويد لأول مرة “فقدان ذاكرة الطفولة” أو”childhood amnesia”
لم يكن إستحضار هذه الذكريات بهذه الصعوبة في الماضي!
حتمًا كان هناك وقت في سنوات الطفولة كنا نستطيع تذكر الكثير من الأحداث التي وقعت قبل سن الثالثة.
ما الذي تغيّر؟!
هناك دراسة حديثة عن ذاكرة الأطفال وجدت بأن فقدان ذكريات الطفولة الأولى يبدأ في حوالي سن السابعة.
في هذه الدراسة قام الباحثون بمقابلة مجموعة من الأطفال في سن الثالثة وسؤالهم عما يمكنهم تذكره.
ثم تمت متابعة هؤلاء الأطفال في سن ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩ لمعرفة ما يمكنهم تذكره.
أظهرت النتائج أنه ما بين ٥ و ٧ سنوات من العمر ، يمكن للأطفال أن يتذكروا ما بين ٦٣٪ و ٧٢٪ من الأحداث التي تذكروها لأول مرة في سن الثالثة.
ولكن في سن ٨ أو ٩ ، تذكر الأطفال حوالي ٣٥ ٪ فقط من أحداث الطفولة.
ولكن تم ملاحظة شيء مثير للإهتمام خلال هذه السنوات.
ففي سن الخامسة أو السادسة ، تذكّر الأطفال الكثير من الأحداث ، ولكن روايتهم لهذه الأحداث كانت ضبابية (تفتقد للدقة).
أما عندما كبرو ، فعلى الرغم من تذكرهم لأحداث أقل كانت في روايتهم الكثير من الدقة و التفاصيل التي لم تذكر قبل.
يعتقد علماء النفس أن فقدان الذاكرة في مرحلة الطفولة يحدث لأن الدماغ لا يزال في طور تعلم ترميز الذكريات طويلة المدى.
تقول البروفيسورة Patricia Bauer متخصصة في ذاكرة الطفولة:
لكي يتعلم الطفل ترميز المعلومات “لابد أن يتعلم كيفية استخدام التقويم وفهم أيام الأسبوع والمواسم… وهو أيضًا يحتاج إلى معرفة ترميز المعلومات حول الموقع الفعلّي للحدث… ولابد أن يطوّر إحساس الشعور بالذات ، وفهم أن وجهة نظره تختلف عن وجهة نظر الشخص الآخر. ”
عندما يكون الأطفال صغارًا ، فإن hippocampus – وهو جزء مهم من الدماغ يؤثر على عمل الذاكرة – لا يزال يخضع للتكوين العصبي: أي يقوم بإنتاج الخلايا العصبية الجديدة باستمرار.
وهذا يؤدي إلى محو الذكريات القديمة لتمهيد الطريق للتعلم الجديد.
إن هذه العملية هي أمر حيوي للنمو العقلي للطفل ، ولكنها ليست بنفس الأهمية للبالغين.
إن البدء في تكوين وبناء هوية قوية يتطلب المقدرة على وضع وتخزين ذكريات طويلة المدى بشكل موثوق.
إن الطفل بحاجة إلى مرجع و أساس ثابت-غير قابل للزوال- لبناء هويته الذاتية.
عالمة نفس آخرى Robyn Fivush والتي تقوم بدراسة الذكريات المبكرة تخبرنا :
” إن الخطوة الأولى في تكوين ذاكرة السيرة الذاتية هي عندما يبدأ الطفل بالتعرف على نفسه في المرآة. حيث يبدأ هنا بفهم ما يبدو عليه من منظور شخص آخر. -هذا أنا-!”
لكي تبدأ في وضع حجر الأساس عن نفسك لابد أن تدرك بأنك كيان منفصل عن الآخرين؛ أنت لست جزء من والدتك ، ولست جزء من تلك الدمية المحشوة.
أما الخطوة التالية فتكمن في قدرتك على سرد قصة عن نفسك!
وهنا يُرجع بعض العلماء بأن السبب وراء قدرتنا على تذكر العديد من الأحداث في سنوات الحضانة (أو ما قبل المدرسة) لأننا ببساطة اطّلعنا على بعض القصص وتكوّن لدينا مفهوم نسبي عن بنية القصة.
فأنت في هذا الوقت قد تستمع للعديد من القصص القصيرة أو تشاهد بعض الرسوم المتحركة البسيطة
فتظهر لديك مفاهيم القصص بشكل أكمل وأكثر تماسكًا.
وحينها أنت تتعلم تنظيم ذكرياتك الخاصة وجعلها أقرب للقصص وأوضح في المعنى. وبالتالي أكثر إلتصاقًا في الذاكرة.
تضيف Fivush:
“هذا ما نقوم به كبشر ، نحن نبحث عن المعنى في هذا العالم ، والقصص هي الطريقة التي نخلق بها المعنى لأنفسنا وللناس الآخرين.”
إن معرفة كيفية نمو و تطور ذاكرتنا الشخصية (أو ذاكرة السيرة الذاتية) هو أمر بالغ الأهمية لفهم أنفسنا.
فأنت عندما تتذكر نفسك في الماضي ستعرف من أنت عليه اليوم!
المصادر
Patricia J. Bauer & Marina Larkina (2014) The onset of childhood amnesia in childhood: A prospective investigation of the course and determinants of forgetting of early-life events, Memory, 22:8, 907-924, DOI: 10.1080/09658211.2013.854806
Katherine, N. & Robyn, F. (2004) The Emergence of Autobiographical Memory: A Social Cultural Developmental Theory. 111(2), 486-511.