سألني أحدهم مؤخرًا عن سبب اللجوء الى العلاج النفسي
“عندما يكون لدي الكثير من الأصدقاء الذين لا يمانعون للإستماع إلى كل شكواي وأخباري بالضبط ما أريد سماعه…”
وعندما أوضحت له أن العلاج النفسي لايتعلق بما أريد أن أسمعه، بل هو أكثر حول ما أحتاج لسماعة لحل مشاكلي بنفسي.. بدى كأن الشخص لم يكترث بجوابي وأنهى المحادثة بسرعة!
أعتقد أن الناس يجدون صعوبة بالغة في فهم ماهية العلاج النفسي، ولماذا ينبغي علينا أن نضعه خيارً عند الاصطدام بمشكلة.
من ناحية لاتزال وصمة العار المرتبطة بفكرة العلاج النفسي تخيّم على مجتمعاتنا؛ لذلك نجد أنه من السهل الشعور بالخوف من هذه العملية، أو بالأحرى الشعور بالحرج من طلب المساعدة.
ومن ناحية أخرى، عندما تسوء الحياة ، من الصعب أن نتخيل إضافة مصدر قلق آخر لما نمر به؛ ففكرة البدء بالعلاج النفسي ليست بالمهمة السهلة! الكثيرون يرون أنهم غير مستعدين للبدء بالحديث بشكل إنفتاحي عن أمورهم الشخصية سواءً المتعلقة بالمشكلات الحالية أو رواسب الماضي مع شخص غريب -كالمعالج-
كمعالج نفسي أستطيع أن أنقل لكم بعًضًا من التجارب النفسية التي يخوضها عملائي في العيادة- سوف أضعها هنا في نقاط :
ملاحظة: أجد فعالية أكبر في استخدام مصطلح “عميل” بدلاً من “مريض” في العلاج النفسي؛ لأنها تمنح شعورًا بالمساواة والتقبل بين الطرفين في الجلسات النفسية. وفي حقيقة الأمر نجاح العلاج يعتمد بشكل دائم على جهد الاثنين معًا.
- ” لقد اكتشفت أن العديد من مشاكلي الحالية هي نفس المشكلات التي واجهتها لفترة طويلة جدًا!!! صحيح ، لقد تطورت خلال العقود القليلة الماضية، لكنها لم تختلف مطلقًا. أنها فقط تغيرت من حيث الشكل الخارجي “– أحد العملاء ….. حتى تصل الى هذا المستوى من الإدراك أنت بحاجة الى أخصائي في الصحة النفسية يتمتع بمعرفة جيده في- أين و ماذا ومتى- يطرح الأسئلة عليك! بإمكان المعالج الناجح أن يفتح آفاقًا جديدة في ذهن العميل، ويجعله يفكر بالأشياء بطرق لم يكن قد بحثها من قبل.
- “على الرغم من إعتقادي بأني أعرف نفسي جيدًا، إلا أنني أدرك أن العديد من مشاعري تبدو كبيرة بحيث لا يمكن التعامل معها. لم أكن أعرف أيضًا ما إذا كان لدي “الحق” في أن أشعر ببعضها من البداية” – أحد العملاء…… وهذا وحده يمكن أن يدفع أي شخص إلى الجنون! التحقق من الدوافع وردود الفعل والجذور المرتبطة بهذه المشاعر بشكل موضوعي يمكن الحصول عليه من خلال الجلسات النفسية. نظرًا لكون المعالج هو إنسان لا تربطك به أي نوع من المعرفة الشخصية مسبقًا، ولن يؤثر على حياتك الاجتماعية لاحقًا. فهو كالمرآه التي تعكس الواقع بحجمه الطبيعي أمامك.
- “لقد بدأت أشعر بالقبول من الآخرين “ أحد العملاء….. يساعدك المعالج أيضًا على فهم ردود الفعل المعتادة (الطبيعية) في الظروف التي تمر بها. معظمنا يحتفظ بآلامنا بشكل سري نسبيًا ، لذلك لا ندرك مدى شيوع تجاربنا بين الناس. قد يكون من المطمئن معرفة أنك لست الوحيد الذي يتعامل مع هذه النوع من المشكلات.
- الحصول على الدعم الذي تحتاجه الآن…….حتى لو لم تكن مستعدًا للانخراط في الأمور المعقدة ، يمكن للمعالج أن يقدم استراتيجيات ودعم لإحتياجاتك العاجلة فقط. أما المشكلات المتأصلة فتستطيع التعامل معها متى ماأحسست بالراحة والجاهزية. تذكر أنت دائما من يقود المركبة في العلاج النفسي!
- “على الرغم من أنه لم يمر سوى أسابيع قليلة على بدء العلاج ، فقد بدأت أشعر بالأمل.“ – أحد العملاء…….تخفيف الضغط! في كثير من الأحيان ، يشعر العميل بالتحسن بمجرد القدوم للجلسة الأولى. وهذا ناتج من مجرد الانفتاح والحديث عن ما يزعجه في مكان قد يشعر فيه بالأمان. حتى لو لم تكن تتحدث مع المعالج عن الأشياء الكبيرة (المعقدة) في الجلسات الأولى ، فمن المحتمل أن تشعر بالراحة بمجرد البدء.
- إقامة علاقة وتكوين شبكة أمان مألوفة لك تستمد منها قوتك عند الحاجة.
الصداقة تختلف عن العلاقة العلاجية
إذا حاولت معاملة الصديق كما تعامل طبيبك النفسي فأنت تضع علاقتكما على المحك!
قرأت مؤخرًا مقالاً يتحدث عن قضية طمس الحدود بين الصداقة والعلاج، وكيف أن الكثيرين يشعرون بالإحباط عندما يعاملهم أصدقائهم كمعالجيهم النفسيين!
جانب من الردود كان لإمرأه عبّرت عن استيائها من صديقة لها بقولها:
“تقضي كل دقيقة تقريبًا من كل محادثة تتحدث عن نفسها، طليقها، ورئيسها، وعائلتها، والأشخاص الذين تتعرف عليهم … وكلما كان هناك هدوء، بدلاً من أن تسألني ما الذي حدث في حياتي، فسوف تتوقف وتفكر في المزيد من الأشياء لتخبرني بها”
هل يبدو هذا مألوفًا؟!
كلمة أخيرة
إن الصداقة الصحية هي أن تأخذ بقدر ماتعطي. فإذا حاولت إستخدام الصديق كبديل للعلاج سوف تصبح العلاقة ركيكة!قد يكون التحدث إلى صديق مجانيًا من حيث الأموال التي يتم إنفاقها ومن حيث الأريحية،
ولكن هناك ثمنًا يجب دفعه! العلاج المجاني من صديق قد يكلفك هذه الصداقة أو أكثر. أما مع المعالج فناهيك عن كونك بين ايدٍ مدربه ومرخصه، فأنت ايضًا يمكنك أن تأخذ ما تريد–من حيث التنفيس، وتقديم المشورة والدعم العاطفي، وما إلى ذلك.
....أنت تدفع ثمن الخدمة هنا....