ذاكرة الجسد واضطراب مابعد الصدمة

ماذا تعرف عن الصدمة نفسية؟

قد تعلم أنه عندما تحدث أمور سيئة فإن البعض من الناس لا يستطيعون تخطيها، ولكن البعض الأخر يستطيع. 

ربما تعلم أيضًا بالكوابيس اللاحقة للحدث السيء. 

والشعور بأنك على حافة الهاوية.

وشريط الذكريات المتكرر للأحداث السيئة الماضية.

وربما تتصور بأن الأشخاص المصابين بالصدمة لديهم مشاكل في الثقة بالآخرين، و عدم القدرة على الإسترخاء!

….و…و..و 

وأنا على يقين من أن البعض لا يعتقد بأن هذا الإضطراب موجود أصلاً!

و البعض الآخر يعتقد بأن الأشخاص المصابين بهذا الإضطراب لا يستطيعون تخطي الحدث حتى بعد مرور العديد من السنوات.

وقد يؤول البعض على أن هذه الحالة هي دليل على ضعف الشخص…أو ربما هي حيلة دفاعية…أو وسيلة لتبرير السلوكيات الغير سوية.

أو ربما هي طريقة لإستعطاف الآخرين! 

عزيز القاريء! دعني أوضح لك بعض الحقائق عن هذا الإضطراب.

ماذا لو أخبرتك أنه حتى وإن أمضيت سنوات عديدة في سرد أحداث الصدمة، والتحدث عن الأعراض النفسية طوال اليوم فأن الشخص المصاب لن يتعافى تمامًا.

والسبب يعود لأن هذا الاضطراب لايتعلق بالحالة النفسية والذكريات المؤلمه فقط! 

بل أيضًا له تأثير كبير على الجانب الجسدي للعميل! 

دعني أُخبرك لماذا؟

عندما يحدث شيء صادم في الحياة، يعمل الدماغ بشكل مختلف!

في الظروف العادية، تقوم أدمغتنا باستقبال المعلومات من الحواس الخمسة مرورًا بالذاكرة القصيرة المدى، ومعالجتها وترميز ما يتم ترميزه، وتخزينه في الذاكرة طويلة المدى … وهذا هو المسار الطبيعي.

يمكنك تخيل الذاكرة وهي أشبه بغرفة مملوءه بالملفات المنظمة في أدراج خاصة. 

وفي أي وقت نقوم فيها بمعالجة المعلومات فإننا نتعامل مع نوعين من الذاكرة:

 الذاكرة الصريحة وهي عبارة عن المعلومات والحقائق والمعرفة العامة.

أما الذاكرة الضمنية فهي عبارة عن الاستجابات العاطفية والإحساسات الجسدية.

وكلا الذاكرتين لهما مسارين مختلفين في عملية المعالجة في الدماغ، ولكن يتم دمجها لاحقًا لتكوين ذاكرة ذات كيان موحد. 

أما حينما تحدث الصدمة فالقصة مختلفة تمامًا!

في مواقف الصدمة، يقوم العقل بإطلاق إستجابة “الهروب أو المقاومة”

حيث يستشعر جسمك الخطر ويقوم بإرسال إشارات تنبية في شكل هرمونات تسبح في مجرى الدم تطالبك ب”الخروج الآن”. 

وحينها يكون الهدف الأساسي في حالة الخطر هو البحث عن “مكان آمن” حتى تتمكن من تجميع شتات نفسك!

وآخر ما قد يهتم به العقل هنا هو العمل على معالجة وترميز ما مررت به!

تخيل معي بأن الطريقة التي يتعامل معها العقل في ترميز الذكريات الصادمة يكون أشبه ب“آلة تمزيق الورق”

سيكون الترميز بشكل عشوائي وبشكل قصاصات صغيره متناثره هنا وهناك.

وهذا هو السبب في أن العديد من الأفراد الذين تعرضوا لصدمات نفسية يشعرون بوجود العديد من الثغرات في ذكرياتهم. (أي ان الذكرى لا تكون مكتملة أو ذات معنى منطقي)

إن أعراض إضطراب ما بعد الصدمة هي في الغالب نفس الأعراض التي تشعر بها في وقت الصدمة ذاتها، ولكن الفرق في التكرار والشدة. 

بعض الإشارات التي يرسلها جسمك عندما تكون في موقف خطر قد تكون….. سرعة في نبضات قلبك، تلهث وأنت تتنفس، تشعر بالحاجة لإستخدام دورة المياه،تتعرق بشدة، تشعر بإرتفاع في مستوى الأدرينالين وكأنك متأهب للهرب……الخ 

هل تبدو هذه الأعراض مألوفة لديك؟

بالمناسبة هذه إستجابات طبيعية لأي قلق قد يمر به الإنسان الطبيعي على المدى القصير .

المشكلة هي عندما تعلق في هذه الحالة! (بمعنى أن تظل حبيس هذه الأعراض ولا تستطيع الرجوع لحالة الطمأنينة) 

عندما تعلق مع أعراض الصدمة، تصبح اللوزتان الدماغيتان ( amygdala) المسؤولة عن إستجابة الهروب/ المقاومة- حساسة بشكل كبير جدًا- 

هذا الجزء من الدماغ يطلب منك “الهرب” عند الشعور بأدنى إحساس بالخطر -سواء بشكل واعي او لاواعي. 

وهذا هو السبب في كثير من الأحيان عندما يستحضر العميل أعراض الإضطراب بمجرد تعرض إحدى حواسه لمثير معين كشم رائحة مألوفة، أو سماع نبرة صوت، أو بملامسة شيء ما ….

وفي الغالب لايعي العميل بأن الذاكرة المخزنة في الحواس الخمسة هي من قامت بإثارة الاضطراب وجلبت له الأعراض. 

وقد يظن بأن شيئًا ما حدث في الحياة اليومية أثار لديه هذه الذكريات. 

وربما يضطر للإنعزال والتصرف بشكل غير منطقي تجنبًا لأي شي قد يثير أحاسيسه!

إن أجسامنا لا تستطيع التفريق بين الخطر البدني والخطر العاطفي. 

إن العلاج النفسي في مثل هذه الحالات يتكون من شقين:

أولاً، العمل على خفض إستجابة الجسم وتهدئة الهرمونات المسؤولة عن إرسال تنبيهات الخطر.

والشق الثاني سيكون في العمل على تصحيح الجوانب العقلية والنفسية. 

ذكّر نفسك بأن جسدك يقوم بأداء مهامه بالشكل المطلوب. إنه يقوم بحمايتك!

أنت تحتاج للقيام بعمل إعادة تنظيم للإعدادت الخاصة بنظام الإنذار!

بالعمل معًا يمكننا معالجة اضطراب مابعد الصدمة بحيث يكون جزء من قصة حياتك، وليس شيء يجب أن تتجنبه … نحن فقط بحاجة للعمل مع جسدك وعقلك معًا!

هل أثار لديك المحتوى بعض التساؤلات… أكتبها لنا في التعليقات!

5/5

اترك رد