غالبًا ما نفكر في اضطراب ما بعد الصدمة على أنها تجربة فردية.
ولكن الأبحاث الحديثة تشير الى نتائج مختلفة.
فقد تكون آثار اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) في واقع الأمر متوارثة!
وإليك عزيزي القاريء ما يحدث:
يمكن أن تترك الصدمة (Trauma) علامة كيميائية على جينات الشخص ، والتي يمكن أن تنتقل بعد ذلك إلى الأجيال القادمة.
هذه العلامة لا تسبب طفرة جينية ، لكنها تغير الآلية التي يتم من خلالها التعبير عن الجين.
هذا التغيير لا يحدث في الجينات الأصلية، فهو ليس (genetic) ، بل (Epigenetic) بمعنى إن التغيير حدث كصفة جينية ثانوية وليس في تسلسل الحمض الجيني (DNA).
هناك العديد من الدراسات النفسية التي تقدم الدليل على هذه النظرية:
- وجد الباحثون أن الأطفال الذين ولدوا لنساء تعرضن لصدمة أثناء الإبادة الجماعية في رواندا كانوا أكثر عرضة لإظهار الخصائص المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة.
- الأطفال المولودين لأشخاص أصيبوا بصدمات نفسية في كمبوديا كانوا أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب والقلق.
- كان لدى أطفال المحاربين الأستراليين في حرب فيتنام معدلات انتحار أعلى بكثير من عامة السكان.
- نتائج مماثلة أيضًا لعوائل الناجين من محرقة النازيين وأطفالهم.
هناك العديد من الدراسات التي أجريت على الحيوانات والتي تخدم نتائج هذه النظرية. على سبيل المثال:
- في إحدى الدراسات قام الباحثون بتعريض الفئران لرائحة معينة قبل التعرض لصدمة كهربائية. مما أدى الى ظهور استجابات قلق ما بعد الصدمة لديهم. وظلت هذه الاستجابة موجودة في الأجيال القادمة من هذه السلاله من الفئران ، على الرغم من أن هذه الأجيال لم تتعرض لتجربة شخصية أو حتى اكتسبت هذه الاستجابات عن طريق التعلم بالمشاهدة. فقد قامت عدة هذه الأجيال من النفور من هذه الرائحة مع عدم وجود سبب واضح.
بعيدًا عن التفسيرات البيولوجية البحتة ، فقد ألقت بعض التفسيرات الفلسفية الضوء على تأثيرات الصدمة.
مصطلح “اللاوعي الجماعي” طوره العالم والمحلل النفسي المعروف كارل يونغ ، والذي يشرح بأن البشر والحيوانات يولدون بمجموعة من المعارف والصور اللاشعورية الموروثة من أسلافهم والتي لا يمكن تفعيلها إلا من خلال وجود محفزات بيئية معينة.
قد تكون الوراثة الجينية مسؤولة عن العديد من المحفزات السلوكية اللاواعية لدينا. بمعنى أنه على الرغم من أننا ربما لم نختبر الصدمة بأنفسنا ، إلا أننا قد نرث علامات معينة من آبائنا تجعلنا أكثر عرضة للاستجابة بطريقة معينة – من الخوف إلى الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.
أين يتركنا ذلك مع COVID-19؟
الكثير من هذه الابحاث مقنعة بشكل لا يصدق ، ولكن حتى يتم إجراء المزيد من الدراسات حول الآثار بين الأجيال للصدمة ، علينا الانتظار لاستنباط كل الآثار المحتملة فمعرفتنا بالبيولوجيا البشرية لا تزال غير كافية لتأكيدها حتى الآن.
هل يمكن أن تتسبب جائحة COVID-19 الحالي والضغط الشديد الذي يسببه للعالم بأسره في حدوث تغييرات جينية في الأجيال القادمة؟
هذا ممكن ، لكن الوقت وحده كفيل بإثبات ذلك.